الكتاب الأبيض

المناهج التربوية لسلكي التعليم الابتدائي

الجزء

2

©   لجان مراجعة المناهج التربوية المغربية للتعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي والتأهيلي

ربيع الأول 1423 يونيو 2002

 

 

 

كلمة السيد وزير التربية الوطنية

تعتبر وزارة التربية الوطنية المناهج التربوية في آن واحد مرآة لمشروع المجتمع المغربي، ومحاولة لاستقراء الحاجات المستقبلية لهذا المجتمع من جميع الزوايا الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبعلاقة مع الأبعاد المحلية والجهوية والوطنية والدولية لهوية مواطن اليوم والغد، المطالب بالتفاعل مع مختلف المتغيرات المجتمعية، ورفع التحديات التي تفرضها، داخلية كانت أم خارجية، على الأفراد وعلى مكونات المجتمع. بهذا المعنى، يتضح أن المناهج التربوية ليست مجرد تشكيلة من المواد الدراسية، بل استراتيجية تربوية وفرضية تدخل في إصلاح النظام التربوي. ولا شك أن مراجعة المناهج التربوية بهدف تحسين مواءمتها مع المنتظرات الملحة الحالية للمجتمع ليست كافية، لذا حرصنا على أن ترتكز هذه الاستراتيجية التربوية على أكبر قدر ممكن من المعطيات حول تطلعات المجتمع المغربي في كل المجالات، على الأقل خلال العشرية الحالية، وأن يعتمد على تعدد المتدخلين وتنوع مجالات تخصصهم واهتماماتهم لبلورتها، وعلى الاستشارة الواسعة لاختبار نتائج أشغال هؤلاء المتدخلين. حرصنا على هذا لتوفير ضمانات النجاح لهذه الاستراتيجية، رغم معرفتنا بما يحيط عادة استقراء الحاجات المستقبلية للمجتمع المغربي من اختلاف في الرأي وفي المرجعيات والمقاربات، وبالصعوبات التي يسببها عادة تعدد المتدخلين وتنوع مجالات تخصصهم واهتماماتهم، ومعرفتنا بما يمكن أن يحيط بمفهوم الاستشارة من لبس وسوء فهم.

وعلاوة على الصعوبات المرتبطة بتعدد المتدخلين، وتنوع مرجعياتهم الفكرية لقراءة دينامية النظام التربوي، واستيعاب مبادئها المنظمة، لا بد أن يصطدم مخططو المناهج التربوية بصعوبات موضوعية منها صعوبة حصر المتغيرات الداخلية والخارجية التي تتحكم في دينامية تطور المجتمع في مختلف المجالات، وصعوبة التنبؤ بكل ما يمكن أن يحدث من ظواهر مؤثرة على هذه المجالات، وصعوبة تغيير المناهج جملة وتفصيلا في أي وقت لأسباب لا تتحكم فيها وزارة التربية الوطنية وحدها.

وعندما يتعلق الأمر بثنائية الثابت والمتغير في القيم التي ينبغي أن تؤطر المناهج التربوية، غالبا ما تختلط بعض المرجعيات، التي فرضتها ظروف معينة في زمن معين من طرف مكونات مجتمعية أو هيآت معينة ، مع القيم المرجعية الوطنية الثابتة للمجتمع المغربي التي تسمح بتحديد الأولويات وترتيبها، وتؤطر بالتالي استقراءات حاجات المجتمع المستقبلية التي يلزم أن تنبني عليها المناهج التربوية.

وأمام هذه الصعوبات، كان لا بد منا اتخاذ احتياطات يمكن إجمالها، من جهة، في توسيع الإشراك إلى مختلف الهيئات التربوية وإلى فعاليات علمية وتكنولوجية وفنية واقتصادية من داخل نظام التربية والتكوين ومن خارجه بهدف اختبار المرجعيات النظرية، والمقاربات التربوية، ومنهجيات استقراء حاجات المجتمع المستقبلية، وتصورات الاستجابة لها من خلال المناهج التربوية، ثم من جهة أخرى، في عرض مشاريع المناهج التربوية الناتجة عن هذا الإشراك الموسع على متدخلين آخرين من الهيئات التربوية والمستفيدين من خدمات نظام التربية والتكوين، ومن المجتمع المدني وخاصة الشركاء التقليديين والمحتملين لمصالح وزارة التربية الوطنية والمؤسسات التعليمية بهدف اختبار جدواها وفعاليتها وواقعيتها وقابليتها للإنجاز.

انطلاقا من هذا التصور للمناهج التربوية في علاقتها بوظائف نظام التربية والتكوين وبدينامية المجتمع المغربي، ولما يحيط إعدادها أو مراجعتها من صعوبات وإكراهات، وللضمانات التي من شأنها أن تجعلها ثابتة الصلاحية ومستوفية لمختلف المجالات التربوية ومجالات المعرفة والتكنولوجيا ومستجيبة لمنتظرات القطاعين الاجتماعي والاقتصادي، ترى وزارة التربية الوطنية أن إمكانية التحكم في استمرار مواءمة المناهج التربوية الجديدة مع متطلبات المجتمع في مجال تكوين الرأسمال البشري تستوجب، من جهة، الإبقاء على مراجعة المناهج مفتوحة من خلال إخضاع تنفيذها للتتبع والتقييم بكيفية مستمرة، وإدخال التصحيحات اللازمة كلما دعت الضرورة إلى ذلك، ومن جهة ثانية، توخي اليقظة تجاه تطور المناهج التربوية للدول الشريكة، خاصة في مجال المعرفة والتكنولوجيا والمجالات موضوع الشراكة مع هذه الدول لأن أنظمتها التربوية أصبحت عبارة عن شبكة أنظمة منفتحة بعضها على بعض، ودائمة التفاعل فيما بينها.

وإذا كانت المناهج التربوية بلورة لاستراتيجية تربوية للوزارة، فإنها مجرد فرضية للتدخل في الإصلاح التربوي تحتاج إلى إجراءات ممهدة وأخرى مساعدة في مجالات استكمال تكوين الأطر التربوية في الخدمة، والتكوين الأساسي للأطر التربوية الجديدة، وتجهيز المؤسسات بالوسائل التعليمية والديداكتيكية اللازمة، وتحتاج بالأساس إلى تعبئة المدرسين والمفتشين وأطر التوجيه التربوي وانخراطهم في الإصلاح، وإلى تجنيد أطر الإدارة التربية للمؤسسات التعليمية.

عبد الله ساعف

 

 

تقديم

 

عند تعميم التعليم الأولي سنة 2004، سيتم إدماجه مع التعليم الابتدائي ليصبح هذا الأخير مكونا من ثماني سنوات موزعة على سلكين، تمتد الدراسة في كل واحد منها على مدى أربع سنوات : سلك أساسي يلجه الأطفال الذين أنهوا السنة الرابعة من عمرهم؛ وسلك متوسط ينتهي بشهادة للدروس الابتدائية تسمح بولوج التعليم الثانوي الإعدادي.

واعتبارا لما يوفره التعليم الأولي من فرص النجاح للأطفال الذين يرتادونه، فإن تعميمه وإدماجه ضمن التعليم الابتدائي سيمكن من تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص أمام جميع الأطفال المغاربة البالغين سن الرابعة من عمرهم، ويخفف من حدة الهدر الذي تعرفه مستويات التعليم الابتدائي في الوقت الراهن.

فكون التعليم الابتدائي بهذه البنية الجديدة، أول مرحلة من المراحل التعليمية، يفرض عليه في آن واحد، وظيفة استكمال وتعزيز التربية التي يتلقاها الطفل في وسطه الأسري من جهة، ووظيفة إعداده للمراحل التعليمية الموالية من حيث تربيته على قيم العقيدة الإسلامية، والهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية، وقيـم المواطنـة، وحقوق الإنسان ومبادئها الكونيـة، ومن حيث تنمية كفاياته التواصلية والاستراتيجية والمنهجية والثقافية والتكنولوجية، وتربيته على الاختيار وتدريبه على اتخاذ قرارات بسيطة في مساره الدراسي، وفي تدبير علاقاته مع رفاقه في المدرسة وخارجها من جهة أخرى.

وقد حرصت لجان مراجعة الأنشطة الجديدة على التركيز على التربية على القيم المدعمة للهوية الوطنية بكل أبعادها، وعلى تنمية الكفايات الأكثر ارتباطا بهذه القيم لإشباع رغبة الطفل في إثبات ذاته والتموقع في الزمان والمكان، وعلى المفاهيم الأساسية التي تجد لها امتدادات في التعليم الثانوي الإعدادي، وتعتبر ضرورية لتهيئ المتعلم مبكرا لولوج أحد الأقطاب الخمسة للتعليم الثانوي التأهيلي. كما حرصت هذه اللجان على إدماج حصص لدعم التعلم في الممارسة البيداغوجية أثناء إنجاز المناهج التربوية داخل الفصل وخارجه لتثبيت مكتسبات المتعلمين واستدراك وتصحيح ما فاتهم أو صعب عليهم استيعابه.

وتجدر الإشارة إلى أن المناهج التربوية لسلكي التعليم الابتدائي تسعى إلى تغليب كفة تفاعل المتعلمين مع المعرفة والتكنولوجيا على كفة التلقين والحفظ والاستضمار لتسهيل تحويلهم تدريجيا على مستوى التربية على القيم وتنمية الكفايات والتربية على الاختيار واتخاذ القرار، وتمكينهم من المواصفات المؤهلة للسلك الإعدادي.

وفضلا عن تعزيز تعلم اللغات بإضافة اللغة الأمازيغية واللغة الأجنبية الثانية وتقديم تدريس اللغة الأجنبية الأولى بسنة، حظيت الأنشطة والمواد الدراسية المدعمة للهوية الوطنية بأهمية كبيرة حيث تم تحسين تناسق مكونات التربية الإسلامية بما يضمن استيعابها من طرف المتعلم، وأضيفت مادة التربية على المواطنة في السنوات الثمانية، وتم توسيع تعلم التاريخ والجغرافيا إلى مستويات إضافية.

وتبقى فعالية تدريس المواد الدراسية وجودة تعلمها رهينة بالكفايات المهنية للمدرسين، ومستوى تعبئة هيأة الإشراف التربوي في استكمال تكوين المدرسين، وبما يلزم توفيره من وسائل تعليمية ومعينات ديداكتيكية مكتوبة وسمعية بصرية.

العودة إلى فهرس التعليم الإبتدائي